اليتيمان (قصة واقعية حدثت في سوريا)
فملأت صدره غضباً وحنقاً على أولاده، فخرج وهو لا يُبصر ما أمامه، ودعا بالبنت فجاءت خائفة تمشي مشية المسوق إلى الموت، ووقفت أمامه كأنها الحمل المهزول بين يدي النمر، فجلس على كرسي عالٍ وأوقفها أمامه، وأفهمها قبح السرقة وعنَّفها وزجرها، وهو ينظر إلى ولده ماجد نظرات متوعد منذر بالشر، ولم يستطع ماجد السكوت وهو يسمع اتهام أخته بالسرقة وهي بريئة منها، فأقبل على أبيه يريد أن يشرح له الأمر، فتعجل الشر على نفسه؛ انفجر البركان وزُلزلت الدار،
وأرعد فيها صوت الأب المغضب المهتاج: “تريد أن تضرب خالتك يا قليل الحياء، یا معدوم التربية، حسبت أنك إذ بلغت الرابعة عشرة قد صرت رجلاً وهل يضرب الرجل خالته؟ سوف أكسر يدك يا شقي”، “واللّٰه يا بابا مو صحيح…”، “ووقاحة أيضاً؟ أما بقي عندك أدب؟ أتُكَذّب خالتك؟”، “أنا لا أُكَذبها، ولكنها تقول أشياء ليست صحيحة”؛ عند ذلك وثب الأب وانحطَّ بقوته على الغلام وأقبل يضربه ضرب مجنون ذاهب الرشد، ولم يشفِ غيظ نفسه، فأخذ دفتره الأسود الذي أودعه دروسه كلها فمزقه تمزيقاً، ثم ترکه هو وأخته بلا عشاء عقوبة لهما؛ تعشى الزوجان وابنتهما وأويا إلى غرفتهما، والغلام جاثم مكانه ينظر إلى قطع الدفتر الذي أفنى فيه لياليه وعافَ لأجله طعامه ومنامه، والذي وضع فيه نور عينيه وربيع عمره وبنى عليه أمله ومستقبله، ثم قام يجمع قطعه كما تجمع الأم أشلاء ولدها، فإذا هي آلاف لا سبيل إلى جمعها ولا تعود دفتراً يقرأ فيه إلا إذا عادت هذه الأشلاء بشراً سوياً يتكلم ويمشي، فأيقن أنه قد رسب في الامتحان وقد أضاع مستقبله، ولم تعد أعصابه تحتمل هذا الظلم، وأحس كأن الدنيا تدور به، وزاغ بصره، وجعلت أيامه تكِرّ راجعة أمام عينيه كما يكر فيلم السينما؛ رأى ذلك الوجه الحبيب، وجه أمه وابتسامتها التي كانت تُنسيه آلام الدنيا، وصدرها الذي كان يفزع إليه من خطوب الدهر،
لتكملة القصة اضغط على الرقم 7 في السطر التالي 👇